هند السويلم
هناك قصة مشهورة عن رجل حكيم سافر مع رفاقه، وكان كلما وقع له أمر لا يعجبه رضي وقال (خيرة) وتكررت منه الكلمة بتكرر المواقف إلى أن ضاق منه رفاقه وأرادوا ممازحته، فاتفقوا على إخفاء بعيره، ثم يخبروه أنه شرد ولم يجدوه.. فما كان منه إلا أن أجاب الجواب المعروف مسبقا (خيرة)! تفاجاوا بقوله ثم ضحكوا على بروده – في نظرهم- .. وفي الليل هجم عليهم مجموعة من قطاع الطرق فأخذوا جمالهم بأحمالها وهربوا فلم يستطيعوا اللحاق بهم..
فما كان منهم إلا أن أخرجوا جمل صاحبهم بحمله من مخبأه وهم يصيحون: خيرة، خيرة!!
القصة فيها أكثر من مغزى.. فنحن حين ننظر إلى الأمور بمنظورنا القصير نتألم ونتضايق من أشياء كثيرة ونتمنى أن لم تكن، ولا ندري لعل الله سبحانه كتب في ثنياها الخير لنا ..
فكري في حياتك السابقة وتذكري بعض الأمور التي حصلت سابقا وبكيت منها واسودت الدنيا في عينيك وقتها – ثم بعد مرور أيام أو سنوات تبكين فرحا أن الله سخرها لك بهذا الشكل!!
إننا نعتقد أننا نعرف ما يصلح لنا ونتصرف بكل ثقة بناء على ذلك، لذا نتألم إن لم يحصل مرادنا لاعتقادنا فوات ما نرجوه... لكننا لا نعلم أن ما يقدره الله دائما هو الخير لنا سواء عرفنا في وقته أم نعلم...
ولو قدر لإحدانا أن تنظر إلى مستقبل حياتها بعد مرور الأزمة التي عانتها لوجدت أن في ذلك الأزمة خيراً كثيراً .. بل حتى لو لم يظهر لنا ذلك في منظورنا القاصر فصبرنا لن يضيع سدى عند من لا يظلم مثقال ذرة...
يخطر في ذهني كثيراً قصة أم موسى، فروعة ضياع طفلها في البحر، حتى صار فؤادها كما وصفه الله سبحانه (فارغاً) عن كل شيء إلا من التفكير فيه.. كانت تلك المصيبة – في ظاهرها – خيراً لها وله.. فكيف كان سيصل إلى قصر فرعون حتى يحظى بحمايته من القتل لولا المرور عبر قنطرة – الابتلاء..
كم من فتاة تألمت لتأخر زواجها – مثلاً- وكانت خلال تلك الفترة تكمل تعليمها العالي أو ملتحقة بدار للتحفيظ وفي كل يوم تبكي على حالها، حتى كتب الله لها الزواج وأنجبت وانشغلت بأطفالها وبيتها ثم التفتت إلى الوراء لتقول: الحمد لله الذي أخر زواجي ولو تزوجت تلك الفترة لم أكمل تعليمي أو لم التحق بهذه الوظيفة أو لم أحفظ القرآن... الخ
وأخرى بكت على عدم قبولها في الجامعة وتألمت جداً من ذلك.. ثم لملمت شتات نفسها وسلت قلمها تكتب أو فرشاتها لترسم أو هواية تحبها فنمتها حتى برعت فيها ودخلت من خلالها إلى ميادين لم تكن تحلم بالوصول لها لولا ممارستها هذه الهواية بجد..
لا زلت أتذكر قصة ذلك الشاب الذي كان يعاني من أمراض بدنية خطيرة، وهو في حياته راضٍ ومطمئن، ثم كتب الله عليه أن يصاب بحادث سيارة شنيع!! هل تصورت وضعه الآن؟!! بعد أن أفاق من الغيبوبة.. وجد نفسه قد شفي من كل أمراضه التي شاركته حياته.. فكان الحادث – الذي هو بمنظورنا شر- خيراً له.
وقيسي على ذلك كل مشكلة تمر بك.. وابحثي عن الخير الذي في ثناياها.. وحين نعتقد في قرارة أنفسنا – بصدق- أن ما كتبه الله هو خير لنا سنرتاح كثيراً، بل سننظر إلى الأمور بتفاؤل إن وراءها خير مختبئ فنسعد ونطمئن..
كل ما يمر بك عزيزتي ثقي أنه خير وحاولي تلمس الأسباب فقولي: لعل الله أراد لي كذا من هذه الأزمة.. وستجدينها إن شاء الله خير مما تصورت مع ثبوت أجر الرضا بالقضاء..