أبويا رجل محافظ .. محترم .. وأهم من ده كله إنه وطني بيحب مصر .. وبيحب كل حاجة فيها .. بيحب سعد زغلول .. والنحاس باشا .. وكوبري استانلي .. ومقتنع إن مصر هي أم الدنيا .. خلفت الدنيا .. وكل عيالها الباقين ماتوا.. م الآخربيحب مصر صحيح
وأهم حاجة في حياته بعد مصر هي تربيتنا .. ولأن ربنا يهديني ويسامحني كنت شاب مضيع .. دماغكم ما تروحش بعيد .. مضيع بس مش قوي .. يعني محترم نص نص .. فقد زلت قدمي في عدة بلاوي أسأل الله أن يغفرها لي .. كانت هذه البلاوي سبباً لصدمة أبويا فيا .. وده السر اللي ما قولتهوش لحد .. والنهاردة وأنا بفر في مذكراتي .. وقعت عيني على صفحة قديمة كنت مسجل فيها أحداث هذا السر .. ففكرت أحكي لكم عليه؟؟ .. ولا بلاش؟؟
المهم قررت إن أحكي يمكن حد يستفيد من تجربتي .. بس بشرط .. متحكهوش لحد .. اتفقنا؟؟
زي ما قولتلكم إن بابا اهتم بتربيتنا جداً .. عشان كده محرمناش من حاجة .. ووفر لنا في البيت كل وسائل اللعب والترفيه .. "بلاي استيشن" .. "تلفزيون" "دي في دي" .. "قصرية برجل عجل" .. كل حاجة .. إلا حاجة واحدة بس مرضاش يجيبها لنا لأنها من وجهة نظره إنها سرقة وإنها ممكن تبوظ أخلاقنا .. برغم إننا ياما اتحايلنا عليه .. لكن مفيش فايدة .. "الوصلة" .. أيوة "الوصلة" اللي خلتنا نقع في الــــــ.. ولا أقولكم أحكي لكم اللي حصل أحسن ...
السر الرهيب
اليوم: 5 فبراير 1917
الوقت: الساعة 8 الظهر في وسط منتصف الليل
المكان: صالة بيتنا .. على شط القناة
الأبطال:
بابا : في دور الرجل الوطني
ماما : اللي بتسيح لبابا
محمود: الواد البايظ
جمعاوي: شاهد ملحقش يشوف حاجة
خالد : واد دحلاب وسوسة
الأحداث:
الواد محمود أخويا الكبير الله يخرب بيته لما لاقنا قاعدين في البيت زهقانين .. وأبويا منعنا من اللعب في الشارع مع العيال .. الشيطان ضحك على محمود وأخده لسكة الحرام .. و وزه يجرجرني معاه ..
- وراح قال لي: واد يا جمعاوي .. إيه رأيك بعد ما بابا وماما يناموا أنزل أجيب الأمانة م الواد "حمو كلبالا"؟؟
- الأمانة؟؟؟!!
- أيوة .. الكامة اللي حتفك شفرة القناة إياها..
- بس يا محمود بابا منبه علينا منتفرجش غير على القنوات اللي هو سمح بيها بس .. وقال أي قناة تانية عيب نشوفها .. خاصة لو كانت عن طريق الوصلة .. أنت عارف إنه بيقول إنها سرقة
- يا بني منبه إيه؟؟ وساعة إيه؟؟ أولاً : هي عشان قناة مشفرة تبقى عيب ؟؟ .. ثانياً: هو حيعرف منين؟؟
- بس يا محمود لأحســ..
- لأحسن إيه؟؟ بابا حينام .. وحنتفرج ربع ساعة بس..هما 15 دقيقة بس..ولا من شاف ولا من دري .. وبعدين يا جمعاوي أنت مش كل شوية تقوله يا بابا نفسي أشوف "ديزني" .. حموت وأشوف "ديزني" .. ها يا جمعاوي؟؟ .. عايز تشوف ديزني ولا بلاش بقى خلينا في "اسبيس توون"
- بيني وبينكم أنا كنت حموت وأتفرج .. العيال في الشارع كل يوم يغيظوا فيا عشان عندهم الوصلة وأنا لأ.. فقولت له: محمود ربع ساعة بس .. ونرجع للواد حمو كلبالا الأمانة
- يا بني عيب عليك .. أنا مقدرتش أطول عن ربع ساعة .. ده حتى يبقى حرام أنا مش وعدتك .. يبقى خلاص ما أقدرتش أخلف وعدي .. عيب يا جوجو
- لا محترم يا خويا!!
جلست أرهف سمعي ناحية باب الشقة في انتظار أن يدق الباب في أي لحظة .. وفجأة .. سمعت صوت نقر خفيف على الباب .. ففتحت الباب لمحمود .. الذي كان قد عاش الدور ولف نفسه بالسواد .. بالطو أسود ونظارة سوداء .. وقبعة سوداء .. وشراب أسود من غير استك ..
- قولت له في صوت خافت : خش بسرعة .. إيه الأخبار؟!
- "العملية في النملية" ثم ربت على جيب البالطو في ثقة وقال: "والكتاكيت في العشة"..
- طيب يا فالح .. تعالى جوة قبل ما حد يصحى
- دخلنا وأغلقنا باب الحجرة علينا .. ووضع محمود الكامة في الجهاز .. وأنا على آخري .. لإني خلاص حشوف "ديزني" .. لحظات وبدأ العرض .. وفجأة!!!
دخل علينا أخي الأكبر خالد.. ألحقي يا ماماااااااااا .. تعالي .. شوفي عيالك بيعملوا إيه؟؟!!
ودخلت أمي علينا وأنطلق صراخها الحياني في أرجاء الشقة .. يا لهوي ي ي ي .. ألحقني يا أبو خالد .. تعالى شوف العيال اللي تعبنا في تربيتهم ..
وأنا أحاول تهدئتها بشتى الطرق .. وياما عيب .. ياما خلاص .. ياما بلاش فضايح .. طب اسكتي وأجيب العيش بكرة .. طب لو سكتي حسيئ الحمام .. لكن بتكلم مين ..
ثم ظهر أبي على مسرح الأحداث .. فتقدم محمود ناحيته في ثبات .. ثم قال: جمعاوي ملهوش دعوة .. الكامة دي بتاعتي أنا .. وأنا على استعداد لتحمل المسئولية كاملة
لكن بابا رفع إيده عاليا .. وهووووب .. طاااااااااخ .. وفي لحظة لم نجد محمود .. لقينا شبشبه تحت الكنبة .. ونظارته فوق الدولاب .. وأخيراً وبعد بحث مستمر .. لقيناه هو شخصياً ممداً أمام باب الحمام .. فأمسك أبي بتلابيبه .. وصرخ بأعلى صوته: البيت ده طاهر وحيفضل طول عمره طاهر..
ثم وضع يده على قلبه في أسلوب مسرحي قديم من أفلام الأبيض و أسود ثم قال: البيت ده متحرم عليك ليوم الدين .. امشي أطلع بره بيتي يا كلب ..
محمود: بس ما تقولش أطلع بره .. يا بابا
تملكني الخوف بشدة .. فقد كنت أخشى أن يكمل أبي الدور ويقول : أنت مش ابني .. أنت لقيط .. لقيط
لكنه لم يفعل .. بل رزع الباب وراء أخي .. ثم ألتفت إلينا وخطب خطبة ثورية جماهيرية تقدمية عصماء بدأت بــ:
أيها الإخوتو والأخوات .. لقد فقد بيتنا .. وفقد شارعنا .. وفقدت الإنسانية جمعاء .. رجلاً .. من أعفن الرجال..
أنا راجل ديموقراطي .. بس الديموقراطية عندي لها أنياب .. واللي هيعمل كده تاني .. حفرمه
وانطلق خالد يهدي النفوس ويقول: عندك حق يا بابا .. دي عيال مش متربية .. أنا مش عارف جيل إيه المهبب ده .. يلا أنت وهو .. خش نام .. وأخيراً والحمد لله دخلت أنا وإخوتي لننام..
ولكننا استيقظنا بعد فترة على صوت صراخ أمي وهي جالسة تولول وتقول: يا ربي .. حتى الواد الكبير اللي كنت فاكراه عاقل هو كمان أتجنن .. بينما وقف خالد في طرف الحجرة بجوار التليفزيون مدلدل الرأس زي تلميذ ابتدائي مسكوه وهو بيسرق بسطرمة م التلاجة .. فاقتربت منه .. ثم ملت عليه هامساً في أذنه : يا دمك يا أخي عمال تتنطط علينا وأنت نفسك تتفرج .. ما كنت قولت م الأول